عدنان بن عبد الله القطان

8 جمادى الأولى 1444 هـ – 2 ديسمبر 2022 م

———————————————————————————–

الحمد لله الذي جعل قوة هذه الأمة في إيمانها، وعزها في إسلامها، والتمكين لها في صدق عبادتها، وحفظها من الأمراض والعقوبات في تمام التزامها بالطهارة والحياء والعفاف، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، دعا إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، كانوا في هذه الأمة قدوتها ومصابيحها، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، اتقوا الله رحمكم الله، تقربوا إليه بطاعته، والإكثار من ذكره وشكره، وحسن عبادته تودّدوا إليه بالتحدث بنعمه، والإحسان إلى خلقه، تعرفوا إليه في الرخاء يعرفْكم في الشدة، إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدى، ومن خاف اليوم أمِن غداً، والربح لمن باع الفاني بالباقي، والخسران لمن سدّت مسامعه الفواحش والشهوات، وآثر الحياة الدنيا. (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: خلق الله تعالى البشر على فطرة سوية، وأنزل إليهم شريعة موافقة لهذه الفطرة، فمصدر الفطرة والشريعة واحد، والخروج عن الشريعة معارض للفطرة؛ ولذا أمر الله تعالى بإقامة الدين الموافق للفطرة؛ لتسعد البشرية، وتنتظم مصالحها، وتصلح أحوالها، ولا يختل نظامها يقول تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ، وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ) ولما كان الله تعالى هو خالق البشر فهو سبحانه أعلم بما يصلحهم وما يفسدهم؛(وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) فَأَبَاحَ لَهُمْ كُلَّ نَافِعٍ طَيِّبٍ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ كُلَّ ضَار خَبِيثِ؛ يقول تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) ويقول: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ) وما جعل الله هذه المحرمات للتضييق على العباد، فشرع الله يسر كله ورحمة كله  (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)  (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً). إنما حرم الله عز وجل على عباده أشياء معينة، صيانة للعباد أنفسهم، وحماية لدينهم وعقولهم، وأعراضهم، وأنسابهم وأبدانهم. وكان ذلك موافقا للفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، فكل ما خالف الفطرة السوية نهى الله تعالى عنه وحرمه؛ كما حرم شرب النجاسات وأكلها؛ لأنه مخالف للفطرة، وأمر بالاستنجاء وإزالة النجاسة؛ لأن بقاءها في السبيلين مخالف للفطرة، وأثنى الله تعالى على أهل قباء لأنهم يتطهرون من النجاسات؛ (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ). وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ) والمتأمل في هذه الخمس، يجد أن سبب ذلك النظافة والطهارة؛ لئلا يجتمع القذر حولها أو فيها. وإذ تقرر أن الإسلام دين الفطرة، وأن الفطرة السوية تأبى كل خبيث وقذر؛ فإن مما يخالف الشريعة الربانية، ويعارض الفطرة السوية؛ فاحشة قوم لوط عليه السلام؛ فإنها من أبشع الأعمال التي تدل على انتكاس الفطرة، ومخالفة الشريعة؛ ولذا بعث الله تعالى لوطا -عليه السلام- في قومه ليدعوهم إلى التوحيد والتطهر من رجس الفاحشة، وينهاهم عن الشرك والفواحش. فلما لم ينتهوا عذبوا وأهلكوا، وكان عذابهم شديدا لم يعذب به غيرهم، وكانت نهايتهم أليمة؛ إذ قلب الله تعالى ديارهم عليهم؛ جزاء لانقلابهم على الفطرة السوية، والشريعة الربانية، واشتهاء الذكران دون الإناث؛ يقول جل وعلا: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ). قَالَ الخليفة الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ رحمه الله: (لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ قَوْمَ لُوطٍ فِي الْقُرْآنِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً يَفْعَلُ هَذَا الفعل الشنيع.) لقد وصف الممارسون لهذه الفاحشة بأوصاف كثيرة تنفر منها ومن أهلها: فوصفوا بالإسراف، وهو مجاوزة الحد؛ لأنهم جاوزوا ما أحل لهم من النساء إلى اشتهاء الرجال؛ يقول تعالى: :(إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) وَوُصِفُوا بِالْعُدْوَانِ؛ لِأَنَّهُمْ تَعَدَّوْا مَا أُحِلَّ لَهُمْ مِنَ الْإِنَاثِ إِلَى مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الذُّكُورِ، فَقَالَ لَهُمْ: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ) وَوُصِفُوا بِالْجَهْلِ؛ إِذْ لَا يُقْدِمُ عَلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ إِلَّا مَنْ جَهِلَ مِقْدَارَ نَفْسِهِ، وَتَكْرِيمَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ، وَجَهِلَ قُبْحَ مَا يَأْتِي، وَإِلَّا فَمِنْ كَرَامَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ أَنْ يَصُونَهَا عَنِ الْفَوَاحِشِ كُلِّهَا، فَكَيْفَ يَأْتِي أَشْنَعَهَا وَأَقْبَحَهَا وَأَقْذَرَهَا، وَأَشَدَّهَا مُخَالَفَةً لِلْفِطْرَةِ السَّوِيَّةِ، يقول تعالى (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) وَوُصِفُوا بِالْمُفْسِدِينَ، وَالْفَسَادُ ضِدُّ الصَّلَاحِ، وَمِنْ شَأْنِ الْفَسَادِ إِذَا انْتَشَرَ أَنْ تُسْتَنْزَلَ بِهِ الْعُقُوبَاتُ (قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) وَوُصِفُوا بِالظَّالِمِينَ، وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَهُمْ وَضَعُوا شَهَوَاتِهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، يقول جل وعلا: (إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ)

وَوُصِفَ فِعْلُهُمْ بِالْفَاحِشَةِ، وَهِيَ: كُلُّ مَا يَشْتَدُّ قُبْحُهُ مِنَ الذُّنُوبِ والمعاصي. يقول تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) وَوُصِفَ فِعْلُهُمْ بِالْمُنْكَرِ (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) وَكُلُّ مَا قَبَّحَهُ الشَّرْعُ وَحَرَّمَهُ وَكَرِهَهُ فَهُوَ مُنْكَرٌ.

وَوُصِفَتْ أَفْعَالُهُمْ بِالسَّيِّئَاتِ، وَهِيَ فِعْلُ الْقَبَائِحِ؛ لِأَنَّ السَّيِّئَةَ هِيَ الْفِعْلُ الْقَبِيحُ (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ). وَوُصِفَتْ أَفْعَالُهُمْ بِالْخَبَائِثِ؛ لِأَنَّهَا خِلَافُ الطَّبَائِعِ وَالشَّرَائِعِ، يقول تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ) قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدا من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أحدا غيرهم، وجمع عليهم من أنواع العقوبات بين الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، فنكل بهم نكالا لم ينكله أمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السماوات والأرض إذا شاهدوها؛ خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها). أيها المسلمون: ولأهمية التحذير من فاحشة قوم لوط عليه السلام فإن الله -تعالى كرر على قراء القرآن قصة لوط مع الممارسين لهذه الفاحشة في ثماني سور هي: الأعراف، وهود، والحجر، والشعراء، والنمل، والعنكبوت، والصافات، والقمر. وأشار إليها في سور: الحج، وص، وق، والتحريم. وكل الأوصاف المنفرة من فاحشة قوم لوط، يجب أن تكون زاجرة عن هذه الفاحشة الشنيعة، والفعلة القذرة، وهي أوصاف مذكورة في القرآن الكريم، وصف الله تعالى بها قوم لوط عليه السلام، ولولا أهمية التحذير من هذه الفاحشة النكراء لما كررت في القرآن الكريم على هذا النحو، وبأساليب منوعة، وفي سور عدة. وهذا -والله- من الإعجاز العظيم في القرآن الكريم، ومن حفظ الله تعالى لقراء القرآن، فمن كان يظن أنه بعد تنزل القرآن بأربعة عشر قرنا ونصف؛ تنشر هذه الفاحشة في البشر، ويسوق لها في الإعلام العالمي، وتصنع لترويجها وتسويغها مسلسلات وأفلام، ورسوم متحركة للأطفال والشباب، وتفرض على العالم عبر المنظمات الدولية والسفارات في بلاد المسلمين، وتؤسس جمعيات لأصحاب هذه الفاحشة، وتسن قوانين وضعية لحماية الشواذ الجدد من قوم لوط، وتنحى الشرائع الربانية، وتدنس الفطر السوية، وتصادر حرية مليارات من البشر الأسوياء الكارهين لفاحشة قوم لوط؛ لأجل أقلية من أرباب الفواحش والمنكرات. فيعلم قراء القرآن وأهله أن ذكر فاحشة قوم لوط، وتكريرها في القرآن؛ كان لحكم عظيمة تظهر بعد قرون من تنزل القرآن؛ ليكون القرآن حاميا لقرائه من الانزلاق في مستنقع فواحش قوم لوط عليه السلام. ولن يستطيع دعاة هذه الفاحشة القذرة بإذن الله، أن يسوقوا لها في أوساط المؤمنين ما داموا يقرؤون كتاب ربهم ويتدبرونه، ويعملون به. وسيحفظ أولاد وشباب المسلمين من هذه الفاحشة البغيضة ما دام آباؤهم وأمهاتهم ومعلميهم يقرؤونهم القرآن، ويربونهم على آياته. والقرآن محفوظ لن يستطيع دعاة الفاحشة أن يحذفوا شيئا منه، ولا أن يبدلوا غيره به، وصدق الله العظيم حيث يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)

فربوا رحمكم الله أولادكم على القرآن الكريم وحفظوهم إياه، وعلموهم معانيه، ودربوهم على العمل به؛ يحفظوا من الفواحش والمنكرات ما ظهر منها وما بطن.

نعوذ بالله من الخبث والخبائث، ومن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونسأل الله تعالى السلامة لنا وذرياتنا وأحبابنا والمسلمين، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: لا يخفى عليكم عباد الله أن هناك هجمة عالمية منظمة من دعاة الفاحشة والرذيلة، تستهدف القيم الأخلاقية والإنسانية للمجتمعات عموماً، والمجتمع الاسلامي خصوصاً، وذلك بإطلاق شعار رائج إعلاميّاً بما يسمى (ترند)، تحت شعار: (أنا مسلم ومثلي الجنس)، وتكمن خطورة هذه الظاهرة في تهديد المنظومة الأخلاقية والقِيَمِيَّة، ومحاولة هدمها بما ينافي الأعراف والقيم الدينية والمجتمعية والإنسانية، ومبادئ العقل والمنطق والفطرة السليمة. ومن ذلك الترويج والدعاية للعلاقات الجنسية الشاذة التي تسمى بالمثلية الجنسية، واستخدام مختلف المنصات للترويج لذلك وتسويقه، بما في ذلك صناعة الأفلام السينمائية والكارتونية الموجهة للشباب والأطفال التي تدخل كلَّ منزل تدعو لهذه الفاحشة، وتبرِّر لها أنها من الحرية الفردية، وأنها ليست عيباً يخجل منه أو حراماً، وكذلك استغلال المباريات الرياضية للترويج لهذه الفاحشة، ورفع العلم الملون الذي يرمز لأصحاب هذه الفاحشة، والمستوحى من ألوان الطيف الشمسي المعروفة لكل الناس، بل وصل الأمر إلى تبني ذلك من قِبَل رؤساء دول عظمى وكبرى، ومنهم من جعل في برنامجه الانتخابي الدعوة إلى الحرية الجنسية للمثليين، وأنها من حقوق الإنسان، حتى صار لهم جماعات ضغط قوية جدًّاً في العديد من البلدان الغربية، ووصلوا إلى مناصب وأماكن حساسة جدّاً، وصارت لهم كلمة مسموعة في السياسات الدولية والاقتصادية.. وقد أجمعت جميع الشرائع والأديان، وكذلك القوانين الوضعية للدول المتحضرة على حرمة هذه الفاحشة وتجريم فاعلها، وترتيب العقوبة الرادعة بحقه، فلا خلاف في تجريم الشذوذ الجنسي سواء اللواط بين الذكور أو السحاق بين الإناث والعياذ بالله.

أيها المسلمون: إن الواجب على الحكومات والدول الإسلامية والمجالس النيابية وأصحاب القرار، تشريع القوانين الرادعة لهذه الظاهرة الخطيرة للحد من انتشارها، وتغليظ العقوبة على مرتكبي الشذوذ، وعدم تشريع وجودهم، ولا الترخيص لجمعياتهم ومهرجاناتهم. وكذلك يجب على المنظمات العالمية والهيئات والمجامع الإسلامية والمنابر الإعلامية – التحذير من هذا الفعل الشنيع، ومنع الترويج له، وبيان آثاره الصحية الخطيرة والنفسية والاجتماعية على الفرد والمجتمع، للتنفير منه وعدم قبوله، والتكاتف والعمل من أجل محاربة الشذوذ بشتى الوسائل الفردية والجماعية، وتوعية الناس بمخاطره وعواقبه، والتذكير بخطورة نشر الفاحشة بين الناس؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا)

وكذلك الاهتمام بعلاج حالات الشذوذ، وتطوير الوسائل العلاجية التي تساعد الشاذ على التخلص من هذا الداء، ومنها العلاج النفسي الذي يُعد من أشهر أنواع العلاجات حاليّاً وأكثرها فعالية، والتركيز على التربية الأسرية الإسلامية الصحيحة؛ لأن قسماً كبيراً منهم مُضلَّلون جاهلون غافلون، ومن حقهم علينا تعريفهم بالنصوص الشرعية التي تحرِّم هذا الفعل وتعتبره من الكبائر، ودعوتهم إلى التوبة والعودة إلى الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعاً، وتذكيرهم بقوله تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

اللهم أصلح شباب وفتيات المسلمين، اللهم أصلح شباب وفتيات المسلمين، واهدهم إلى صراطك المستقيم، اللهم بغض إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين يا رب العالمين. اللهم وردهم إلى الإسلام رداً جميلاً. اللهم أجعلهم من عبادك الصالحين.

اللهم من أراد شباب المسلمين وفتياتهم بسوء فاشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميره.

اللهم احفظهم من شرور التطرف والغلو والجفاء والشرك والالحاد والتغريب والتشبه، اللهم حصن افكارهم من جماعات الضلال واعصمهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم وفق علماء وشيوخ المسلمين للأخذ بيد أبنائنا وبناتنا إلى الإيمان والتقوى.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم ومستشاريهم ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير..

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا..

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ  رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

      

            خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين